ما يفعله الأطباء من أجلنا

شهدنا خلال حولي الأربعة الأشهر الماضية اضرابات و مظاهرات و تجمعات نظمها الأطباء المقيمون – أولئك الذين يعملون و يدرسون قصد التخرج كمختصين . مطالبهم – بطبيعة الحال – ترتبط بقطاع الصحة ، و من بينها إلغاء الطابع الإجباري للخدمة المدنية ، و التي هي عبارة عن فترة إلزامية من الوقت أين يتم تعيين الأطباء المختصين حديثي التخرج للعمل في المناطق الريفية و المدن الداخلية و الجنوبية من البلاد ، نظام تم تصميمه من قبل الدولة لضمان تغطية أوسع للمؤسسات الصحية في جميع أنحاء البلاد والذي يتم الوفاء عن طريقه بالتزامات “مجانية التكفل الصحي”.

ورغم أن هذا يبدو معقولا ، فالأطباء الخريجون – من خلال المساهمة في تنفيذ السياسة الصحية للدولة – يعطون شيء لمواطنيهم وبلدهم مقابل الاستفادة من مجانية التعليم والتدريب ، إلا أن هذا النظام بالذات لا يبدو ذا نجاعة ، و الجدير بالذكر أنه صُمّم بُعَيد الاستقلال ، في زمن كانت هناك حاجة عاجلة لتغطية صحية أوسع ، و لم تتم مراجعته مذ ذاك . ففي الممارسة العملية ، على سبيل المثال ، غالبا ما يجد الأطباء المعيّنون في المناطق المعزولة أنفسهم مضطرين لإعادة توجيه المرضى المحليين إلى مشافي المدن الكبرى بسبب نقص الموارد .

إن اتفاقنا أو اختلافنا مع موقف الأطباء المقيمين ليس في الحقيقة ما يهمنا هنا . فالسؤال الأكثر إلحاحا هو (مرة أخرى) لماذا نعجز عن الاستعداد لإعادة النظر في نظام تَبيّن عجزه عن إرضاء المرضى و أولئك الذين يعالجونهم على حد سواء ؟ في وقت يساند فيه المجتمع المدني – كجمعية المرضى مثلا – هذه الاحتجاجات ، يحق لنا أن نتساءل عن السبب الذي يجعل الحكومة ترفض إشراك المعنيين (من أطباء و مرضى و غيرهم) في حوار بناء حقيقي يمكن أن يؤدي إلى تطوير النظام بحيث يكون مُرضيا للجميع .

من خلال احتجاجاتهم ، يسعى الأطباء المقيمون إلى فتح مثل هذا النقاش ، و إن آفاق الإصلاحات الحقيقية التي يمكن أن تطال هذا النظام لن تظهر إلا إذا / عندما ينجحون في مسعاهم هذا . ألسنا في حاجة ماسة لإجراء مناقشات مفتوحة حول العديد ، إن لم نقل جميع “الأنظمة / السياسات”، التي يتم وضعها “لفائدة المواطن”؟

هذا ما يمكن للأطباء – وحركات أخرى مماثلة – أن يفعلوه من أجلنا : دفع الحكومة إلى تغيير مواقفها و الانفتاح على مسارات جديدة تؤمن فيها بضرورة إشراك جميع المعنيين في مناقشة وإعادة التفكير ومراجعة النظم المهترئة التي تؤثر في حياتهم . لقد عهدنا من نظامنا أنه يفضل دائما العمل في عزلة ، و لعله يجد في ذلك وسيلة لتجنب معالجة القضايا الحقيقية . و لكن هذا الاقتراب لم يعد عمليا و لا مقبولا عند الرأي العام . نحن بحاجة إلى أن نتجاوز مشاورات سطحية كتلك التي نادى بها الرئيس مؤخرا لأنها ليست نقاشات حقيقية ، و إذا واصلنا النضال لنيل حقوقنا داخل ذاك الإطار فسرعان ما ستتلاشى . على كل تلك قصة أخرى ، نطرحها في مقام آخر …  ما نقوله هنا هو أن على الجزائريين اليوم أن يدركوا أن العمل الثوري الحقيقي في جزائر ما بعد الإستقال هو أن ننجح في التغيير، من نظام غامض مغلق ، إلى نظام شفاف منفتح حيث تساغ سياسات الوطن عن طريق مناقشات تشمل جميع المعنيين .

من الأجدر على وسائل الإعلام الوطنية و الدولية إعادة النظر في تحليلهم لموقف الجزائر فيما يتعلق بما يسام بالحركات الثورية التي تجتاح منطقتنا . الجزائريون لم يتخلفوا عن الركب ، لقد ركبنا موجة التغيير، و مازلنا . عرفنا الاحتجاجات السلمية والعنيفة في الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي ، و نجحنا في إسقاط نظام الحزب الواحد ، و لكننا نعاني في فترة “ما بعد التغيير الديمقراطي” من ظهور نظام قمعي جديد . نحن الجزائريين الآن في مرحلة جديدة من ثورة مستمرة ، مرحلة حاسمة حيث يجب “التفكير” ، على محمل الجد  ، في بناء مستقبلنا . قلت في مقال آخر أن الثورة ليست بالضرورة نزاعا مسلحا دمويا ، ونحن الجزائريون في حاجة ماسة و عاجلة إلى أن نتعلم التمييز بين هذا و ذاك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Post comment