وعي الحراك
لا يزال “غزل الوعي” يميّز مقدمات الخطابات التي يوجهها الكثيرون نحو الشعب ، سواء عند اعلان انضمامهم للحراك الشعبي المبارك أو عند تحليلهم و ابداء آرائهم حول مجريات الأحداث المتسارعة. عندما نتدحث عن مدى وعينا كشعب من جهة و عن كون تحرير الوعي الجماعي و ترقيته هو هدف لا مقدمة الحراك من جهة أخرى، أرى من الضروري التفكر في علاقة الوعي بالحراك عبر تحديد و تشخيص بعض مستوياته المتفايتة :
١. مستوى الدوافع : هنا الوعي بالأزمة و بالتالي بالدوافع للحراك و ليس بدقائق اهدافه ضرورة – و هذا وعي موجود و متنام ؛ فالشعب واع بالسلبيات الكائنة في البلد ، بما في ذلك خطر العهدة الخامسة و مهزلة العملية الإنتخابية.
٢. مستوى المسؤولية الفردية: هنا الوعي بمسؤولية الفرد و فاعليته في التصدي للأزمة و بالخطر الوجودي الذي يهدد الفرد إن لم يقم بذلك – و هذا وعي في تزايد مستمر ، و هو ما سيزيد من كفاءة الحراك و قدرته على الضعظ الفعال المطلوب.
٣. مستوى الحس الجماعي: هنا الوعي بتواصل الأفراد و تلاحمها ككتلة تتشارك حس جماعيا يمكّنها من صياغة و فرض مقاصد جماعية (بمعناها الفلسفي) بما هو اضفاء للمعنى و تعليل للأحداث و الظروف و الوظائف – و هذا وعي متنام كذلك.
٤. مستوى المساهمة العملية: هنا الوعي بدقائق العمل السياسي و خصوصا بما تخوله القوانين عندمواكبة محطات الحراك المختلفة بما في ذلك تشخيص طبيعة كل محطة منها و توجيهها بما يلازم مقتضياتها و متطلباتها، ثم الوعي بمنازل المشاركة و المساهمة في الدفع من جهة و بمنازل الإتباع و المسائلة في الرأي من جهة أخرى. فالعمل الجماعي القانوني الذكي يجب أن يكون الوجه الآخر لما نراه من اجتماع محمود للحراكيين على ضرورة الإلتزام بسلمية الحراك ، و كلاهما بنفس نسبة الأهمية في رأيي – و هذا وعي لم ينمو بعد و هو إذن مدخل من مداخل تشتيت الحراك و تمييعه.
٥. مستوى الخصمية: هنا الوعي بدقائق الأزمة و ما يغذيها و بطبيعة الخصم الذي يمثل الأزمة؛ أي طبيعة النظام و أقطابه في هذه الحالة – و هذا وعي لم ينمو بعد و لكنه في تطور حييّ ، و تلك نتيجة حتمية لعقود من التعتيم و الإفقار السياسي بما هو من استراتيجيات أقطاب النظام للعمل في خفاء ضمن علبة سوداء و تهميش الشعب و قوى التغيير الحقيقي.
٦. مستوى البيئة: هنا الوعي بخصوصية القضية الجزائرية من جهة و بتموقعها ضمن مشكلات العصر و القوى الفاعلة و المؤثرة فيها من جهة أخرى و التي تحتكر شروط الفاعلية و تهيمن على أسباب الاستئناف – و هذا وعي لم ينمو بعد كذلك.
٧. مستوى الأفكار: هنا الوعي بالأسس الحضارية و المرجعيات الفكرية و المعرفية و القيمية التي تكمن وراء صيغ و نماذج التيرات السياسية و الاجتماعية . فهذا المستوى من الوعي إذن يتقصّى معالم الإنتماء الحضاري و المرجعي للأفكار و ينظر للسياسة و للحراك الشعبي على أنها أدواة و وسائل للخوض في التدافع الفكري و البناء الحضاري ، حراك لاستئناف الفاعلية التاريخية و انعتاقها من الهيمنة، و هو بهذا وعي يساهم في ترقية بقية المستويات و تدقيقها – و هذا وعي ناقص إلى حد كبير.
هذه إذن بعض مستوايات وعي الحراك كما أراها، و تعدادها تباعا لا يستوجب تحققها في الفرد و الجماعة تدرجا.
و وعي الحراك – كحراك و وعي جماعي – في نضج مستمر على مستويات الدوافع و المسؤولية الفردية ، مع بدايات نمو في وعي الحس الجماعي ، و هو تحديدا ما يجعل ما نراه حراكا لا يرتقي لوصف الثورة بعد – و لعلي أفصل في ماهية الثورة التي أشير إليها هنا في منشور آخر – و من البدهي أن الحراك ممكن أن يتعطل و أن يتعثر بتفاوت نسبة عموم الوعي بمستوياته المختلفة ، و أن لا مناص من إنتشار الوعي بين طبقات الشعب و عبر مستوياته بالتدريج .
فالوعي في مستوى المساهمة العملية و مستوى الخصمية في حاجة لترقية و تعزيز ، و نقصه يفتح باب التلاعب و الاحتواء من طرف الحراك المضاد . و الوعي في مستوى البيئة و الأفكار في حاجة لتحرير و إنعتاق حقيقين ، و نقصه سيكرس الإنتداب و التبعية و الهيمنة بأشكالها العديدة.
الإيجابي هنا هو أننا نرى تقدما في حالات الوعي في حراكنا ، جمعة بجمعة، مسيرة بمسيرة ، كما تلوح له الشعارات المرفوعة و المواقف المأخوذة (و قد رأينا بوادر بعضها كما تبينه الصورة المرفقة مثلا) و الحمد لله أن سخر من ينشر الوعي و أسبابه من شبابنا الواعي الذي شمر على ساعد الجد و عزم على بذل الجهد في هذا المسار ، و هو ما يدل كما بدأت بالقول أن الحراك حراك لتحرير الوعي و أن التمادي في “غزل الوعي” سيفوت علينا فرص مهمة لفهم مواضع قصوره و سبل ترقيته بيننا كأفراد و كجماعة ، فلنتفطن لهذا و سنجني ثمار هذا التفطن لا محالة إن شاء الله تعالى